لم يكن من السهل علي سيدة مثل نور الهدي محمد سلطان أو هدى شعراوي بنت الحسب و النسب و تربية القصور ، أن تقبل زواج ابنها من مطربة ومطلقة و لديها أولاد ، كما لم يكن من السهل عليها أيضا أن تقف في وجه هذة الزيجة و هي من داعيات التحرر و المساواة فأمام أول منعطف ظهرت تقاليدها الشرقية الصميمة و اختفت دعوات التحرر والإنفتاح .. فمن هي فاطمة سري تلك المطربة التي قلبت حياة آل شعراوي رأسا على عقب ؟
( بدال ما تسهر على قهوة تعالى نشوي ابو فروة ) من أشهر ما غنت الست فاطمة سري و هي مغنيه مصريه فى العشرينات ولدت عام 1904 و كانت من رواد شارع عماد الدين و اشتهرت بالمسرح الغنائى و كانت مغنية مسرحيه في «فرقة الجزايرلى» و اول مصرية غنّت اوبرا كاملة هى «شمشمون و دليلة» إلا أن شهرتها الحقيقية بدأت مع قصة زواجها السرى سنة 1924 من محمد بك شعراوى ابن صاحبة العصمة هدى هانم شعراوى ، هذا الزواج الذي أثمر عن ابنة واحدة هي "ليلى" ..
بعد أن بدأت فاطمة سري تشعر بأعراض الحمل ، فوجئت بزوجها محمد بك شعراوي يتبرأ منها و من الجنين الذي في احشاءها و لأن زواجهما كان عرفيا بدأت فاطمة سري بنشر قصتها في محاولة لإثبات نسب إبنها أو ابنتها ..
كانت فاطمة تعلم جيدا ان هذا العمل قد يكون سبباً لحرمانها من طفلها إن تم الاعتراف بهذا النسب و هو ما حدث بالفعل حيث لم تر فاطمة ابنتها ليلى و لو مرة واحدة حتى وفاتها ، لكنها لم تكن تهتم إلا بإثبات هذا النسب حتى تضمن لوليدها حياة كريمة ، لكن صاحبة الوضع الأصعب في هذة القصة كانت نصيرة المرأة هدى هانم شعراوي صاحبة الشعارات الرنانة و التي تنادي بحقوق المرأة و الحفاظ عليها ، فإذ بها تلقي كل هذا جانبا و تظهر وجها آخر للحماة القاسية و الأم الشرقية التي لا تزال تحمل بداخلها العادات و التقاليد الصارمة ..
و كانت المفاجأة و التي أسدلت الستار على القضية هي إقرار من محمد بك شعراوى يعترف فيه بزواجه العرفي من فاطمة سري :
"أقرُّ أنا الموقع على هذا محمد على شعراوي نجل المرحوم على باشا شعراوي ، من ذوي الأملاك ، و يقيم بالمنزل شارع قصر النيل رقم 2 قسم عابدين بمصر ، أنني تزوجت الست فاطمة كريمة المرحوم “سيد بيك المرواني” المشهورة باسم “فاطمة سري” من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924 ألف و تسعمائة وأربعة و عشرين أفرنكية ، و عاشرتها معاشرة الأزواج ، و ما زلت معاشراً لها إلى الآن ، و قد حملت مني مستكناً في بطنها الآن ، فإذا انفصل فهذا ابني ، وهذا إقرار مني بذلك و أنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة بصحة الإقرار شرعاً و قانوناً ، و هذا الإقرار حجة عليَّ تطبيقاً للمادة 135 من لائحة المحاكم الشرعية ، و إن كان عقد زواجي بها لم يعتبر ، إلا أنَّه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط عقد الزواج المعتبرة شرعاً"محمد علي شعراوي
القاهرة في 15 يونيو 1925م
و أمام هذا الإقرار لم يكن بوسع المحكمة إلا أن تحكم عام 1930م لصالح فاطمة سري ، بنسب إبنتها إلى أبيها محمد بك شعراوي ، أي بعد ثلاثة سنوات من الخصام القضائي ، و في مشهد تراجيدي للغاية ممتلأ بالدموع و الآهات سلمت فاطمة سري إبنتها إلى والدها محمد بك شعراوي و والدته هدي هانم شعراوي ..
كل هذه الأحداث التراجيدية هي ما جعلت الكاتب الراحل مصطفى أمين ، ينقلها للسينما من خلال فيلم فاطمة لأم كلثوم ، مع أنور وجدي عام 1947م ، لكنه أراد أن يغير في نهاية الفيلم بعيداً عن نهاية القصة الحقيقية للحفاظ على جمهور السينما الذي كان قد تعود على النهايات السعيدة ..