إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية، وهناك جانب نفسي يعود على النفس من التردد على المسجد، وفي داخل المسجد، وقبل هذا أثناء تأهب المصلي للذهاب إلى المسجد، وفي الصلاة راحة نفسية عظيمة، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، والصلاة التي تذهب الهم والحزن ويجد فيها المصلي الراحة النفسية التي ينشدها من همومه وضيق صدره إنما هي الصلاة التي تتم بخشوع وتضرع إلى الله بعد اكتمال شروطها وواجباتها حتى يصل العبد إلى درجة الاتصال، بخالقه، حيث قال الله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " وذكر الله له أثر كبير في تربية النفس وتعديل السلوك، فالذي يذكر الله عز وجل.
ويتصور عظمته وجلاله يخشع قلبه، ويحسب لملاقاته كل حساب، فلا يصدر عنه من الأفعال إلا كل خير، ومن ذلك لا يتسرب إلى نفسه القلق والاكتئاب، وما شابه ذلك من الأمراض النفسية، ويظهر لنا مما سبق مدى اهتمام الإسلام بالصحة الجسدية والنفسية من خلال الصلاة، ولذا فقد حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أداء الصلاة كما أرادها الإسلام لما وجدوه من الفائدة الكبرى في صحة أجسادهم، وراحة نفوسهم بأدائهم لها، ومن ذلك يتبين الدور الصحي الذي يؤديه المسجد في المجتمع الإسلامي، كما كان يقوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام المستشفيات العسكرية التي يمرض فيها الجرحى والمرضى من آثار المعارك والغزوات.
التي كانت تدور بين المسلمين وأعدائهم، فقد كان بالمسجد خيمة السيدة رفيدة الصحابية التي كانت تقوم بتمريض الجرحى، وتضميد جروحهم، وأيضا خيمة لبنى غفار، وكذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تضرب خيمة بالمسجد لسيدنا سعد بن معاذ لما أصيب في أكحله يوم الخندق ليكون قريبا منه فيرعاه ويعوده، هكذا كان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرا لتمريض أصحابه الذي استفادوا منه في صحتهم الجسدية والنفسية، وهي من نتائج أداء المسلم للصلاة، والتجهز لها بالغسل، واللباس، والطهارة، والسواك، ومناجاة الرب، والاعتراف بالذنوب والخطايا، وطلب العفو والمغفرة، والتضرع بقبول التوبة، والمعاهدة على الإخلاص في العمل.
وعدم العودة إلى ارتكاب الخطأ واقتراف الذنب، ولكنه قد تقلصت وظائف المسجد وضعفت، وكاد تأثيره أن ينحصر في مجال العبادات فحسب، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها هو ضعف إمكانيات الدعاة من الناحية الفكرية والإعداد العلمي، وتهميش دورهم، وعدم الأخذ برأيهم، وتراجع مكانتهم الاجتماعية كما كانت عليه من قبل، وكذلك تضاؤل الموارد المالية للمسجد، خاصة المساجد الأهلية التي تعتمد أساسا على التبرعات، وكذلك عدم فهم بعض الناس لدور المسجد، وأهميته الاجتماعية والسياسية والثقافية، والنظر إليه على أنه مكان للعبادة وإقامة الشعائر الدينية فقط، وأيضا قلة الكوادر المؤهلة لإدارة المساجد، وتقديم خدمات متنوعة من خلالها.
تجسيدا للدور التنموي للمسجد، وكذلك الغزو الثقافي ومحاولة طمس الهوية الإسلامية من ناحية، والإساءة إلى الشريعة الإسلامية، وربط الإسلام بالإرهاب، ونشر العديد من المفاهيم الخاطئة ضد الإسلام ومبادئه من ناحية أخرى، وعلى الرغم من ضعف وتضاؤل الأداء الوظيفي للمسجد في المجتمع المعاصر مقارنة بدوره في عهد النبوة، فقد ظهر في هذه الأيام اتجاه نحو تحقيق رسالة المسجد الأولى بإنشاء المسجد، والمدرسة، وقاعة المحاضرات والمستشفى في مبنى واحد حتى يمكن لأفراد المجتمع أن يمارسوا شعائرهم الدينية، ويحققوا مصالحهم الدنيوية في مكان واحد، وإن كان الأمر ما زال في حاجة إلى تدعيم أعمق وأشد لدور المسجد الوظيفي.