recent
أخبار ساخنة

أخناتون .. والمُلك الضائع .... كتبت مديحه الرشيدى / وطنى نيوز


 

 
كتبت مديحه الرشيدى
شخصيتنا اليوم شخصية مثيرة، حيكت حولها الأساطير، ودارت حولها الأقاويل، مجدها البعضُ حتى وصلوا بها إلى مرتبة الأنبياء والمرسلين، وحط من مكانتها آخرين فوصفوا صاحبها بأنه " شاذ في عقله شاذ في خلقه منحدر إلى الحضيض في بعض تصرفاته "، إنه "أخناتون" أمنحوتب الرابع، والذي يعني اسمه: "آمون راض".
كان أخناتون نحيفا، طويل القامة، منحني الظهر، ذا أكتاف ضيقة وأرجل رفيعة وطويلة. كان وجهه طويلا وعيناه كبيرتان غائرتان، فقد كان ضعيف البنيان، ظل يُعاني من ومرض لازمه طوال حياته.
وُلد أمنحوتب بمدينة "أرمنت" بالقرب من طيبة (الأقصر حاليا) عام 1389 ق.م، فنشأ مرهف الحس دائم التفكير شارد الذهن؛ ففي أغلب أوقاته تراه صامتا مترددا متطلعا لقرص الشمس المستدير الذي صور أشعتها فيما بعد على جدران معبده؛ كما لو أنها أذرع طويلة تنتهي بأيدٍ تلمس جميع المخلوقات في سعادة وهناء.
دعا أخناتون إلى عبادة "آتون" ربًا واحدا ليس له مثيل، وأقام له معبدا بطيبة، وأهمل معبد "آمون"، وسمى مدينة طيبة باسم "ضياء آتون". ولم يرضَ بأفعال كهنة آمون وضغطهم على الأفكار باسم الدين ونشر الفساد السياسي وقال قولته المشهورة: "إن أقوال الكهنة لأشد إثما من كل ما سمعت"!، وقد رأى كهنة آمون في هذا الأمر خطرا وتهديدا حقيقيا لهم ولمعبودهم؛ فبدأوا يتهامسون ويدبرون المكائد.
لم تكن دعوة أخناتون تلك تنصب على المعتقدات الدينية فقط بل تعدت ذلك نحو تغيير شامل لكل مظاهر الحضارة، وكانت أصول دعوته تتمثل في "الحقيقة والواقع"، واعتمد في إقناع تابعيه على البراهين الظاهرة الدالة على سلطان معبوده، ولم يتخذ لمعبوده هذا شكلا حيوانيا كغيره من أرباب مصر القديمة.
غير أن أخناتون من الشخصيات التي تواجه التحديات أو تعمل على حل المشكلات بل كان يسعى دائما إلى الهدوء والسكون وينشد المودة والسلام، لذا فإنه آثر البعد عن موطن القلاقل بطيبة فتركها ومعبودها واتجه نحو مدينته الجديدة التي أنشأها هناك في تل العمارنة بالمنيا حاليا، وهي مدينة "أخت - آتون" والتي تبعد عن طيبة شمالا بمسافة مائتي وخمسين ميلا.
فقد انشغل أخناتون بديانته تلك عن أمور الدولة وشؤون الحكم؛ وهاهم سفراء البلاد وحكام الولايات يأتون إليه شاكين من التهديدات الخارجية التي تتعرض لها ولاياتهم فلم يكن يستطيع أن يقدم لهم غير الترحاب والهدايا، وذهبت نداءاتهم واستغاثاتهم أدراج الرياح، فازدادت قوة الحيثيين وغيرهم من القبائل والشعوب في آسيا، وتحدوا سيادة مصر في ممتلكاتها الخارجية.
وفى عهده تم محاصرة القدس واستغاث حاكمها به طالبا النجدة كما يظهر ذلك من خلال رسالته المؤلمة التي كان قد أرسلها إلى كاتب الملك قائلا فيها: "إن كل بلاد سيدى الملك في طريقها إلى الخراب، أخبر الملك صراحة أن بلاده في طريقها إلى الضياع"!!
كما استجار به حاكم مدينة "جبيل" بلبنان، ورجاه بأن يرسل له جيشا لنجدته قائلا له: "إنني في مدينة جبيل هذه مثل طائر وقع في الشرك"، ولما لم يستجب أخناتون لرجائه بعث إليه برسالته الأخيرة المحزنة: "إن لم تأت نجدة فإني إذن رجل ميت"!
ولم تكن العواصف الخارجية هي فقط التي تهز كيان الإمبراطورية، فقد توالت الأنباء المقلقة من داخل مصر أيضا؛ حيث سخط النبلاء المقيمين بطيبة وازدادت قوتهم، وخرج الكهنة من مخابئهم وأعادوا عبادة آمون المحظورة. غير أن أخناتون تجاهل كل هذه المخاطر ورفض أن يواجها، كما رفض أن يوجهه أحد للنظر لتلك المشكلات.
وعندما ماتت ابنته الكبرى "مكت - آتون" علاه الهم والغم والارتباك، وزاد وجهه نحولا ولم تعد عيناه تتلألأن في ضوء الشمس، وبدا عليه الضعف حتى تجاه عقيدته ودعوته بعد أن أنهك بدنه وأفنى جسمه في إقناع الناس بها.
ولم يستطع أحد أن يُخرج الملك من حياة الوهم التي يحياها؛ فضاعت الإمبراطورية التي أنشأها أسلافه، وبدأ في الهروب من هذا الواقع المؤلم إلى الملذات واحتساء النبيذ والاستماع إلى الموسيقى. وأثناء بدأ ذلك في تبادل الرسائل مع كهنة آمون بطيبة محاولا أن يصل معهم إلى اتفاق شريطة أن يتركوه وشأنه وأن يسمحوا له بالاحتفاظ بعرشه.
وبالرغم من أن الإصلاح الديني الذي جاء به أخناتون أخذ جُل وقته إلا أن المواطنين في المملكة ظلوا على عقيدتهم التقليدية في التعبد إلى آمون وتقديم القرابين له وطلب الشفاعة منه، وهذا ربما يعود إلا أن الإصلاح الذي دعا إليه كان إصلاحا فوقيا جاء من سلطة عليا.
وفى عام 1358ق.م مات أخناتون.. مات أخناتون؛ بعد أن أنهكه المرض وبلغ به الحزن مداه، ودُمرت مدينته "أخت – آتون"، وظلت مرتعا للحيوانات المفترسة والطيور الجارحة والحشرات والزواحف القاتلة.
مات الملك بعد أن حكم سبعة عشر عاما، واختفى دون أن نعلم ما حدث له في نهاية عمره، ولو أن العلماء رجحوا أن موته حدث نتيجة لمؤامرات ودسائس دبرت لقتله، ولم يعثر على مقبرته حتى الآن
google-playkhamsatmostaqltradent
close